في محاضرة ألقاها الدكتور عبدالحميد القضاة في إحدى الدول عن أمراض الجنس والشذوذ، وقفت امرأة وسألته: هل الشريكة يمكن أن تنقل الأمراض الجنسية؟
ـ سألها: ماذا تقصدين بالشريكة؟
ـ فردت: هي المرأة التي يقيم معها الزوج علاقة خارج إطار الزوجية.
ـ قال: هذا اسمه زنا..!
ـ شعرت المرأة بصدمة كبيرة، وقالت: لا يادكتور الشريكة أمر مختلف عن الزنا..
ـ بدأ الدكتور يشرح لها معنى الزنا، وبين لها أن الشريكة ليس إلا مصطلح مخفف لجريمة عظيمة هي جريمة الزنا.
تتأثر مخيلة الجماهير بالصور بشكل خاص، وبإثارة الخيال، وبالاستخدام الصائب والذكي للكلمات، إن قوة الكلمات ترتبط بالصور التي تثيرها في مخيلة الجمهور، وهي كبسة الزر التي تخرج الصور.
إن كل كلمة ترتبط في العادة بصورة ذهنية في أدمغتنا، فعندما يقول شخص ما لا تفكروا في سيارة حمراء، فإننا سريعا ما نرى صورة ذهنية لسيارة حمراء، هذه آلية لتفكيرنا نتشابه فيها جميعاً.
من الوسائل المستخدمة للتأثير على قناعات الجماهير وآرائهم ومعتقداتهم دراسة الكلمات وما يتربط بها من صور ذهنية، فيتم التلاعب بالكلمات من أجل الوصول إلى صورة ذهنية ذات مدلولات مختلفة عن المعنى الحقيقي، صورة ذهنية مقبولة لدى الجماهير. فالهدف من التلاعب بالكلمات التلاعب بالأفكار والتصورات، وبالتالي تغيير في ردات الفعل والسلوك.
وبالعودة إلى الموقف المعروض في بداية الموضوع نلاحظ أن الصورة الذهنية المرتبطة بالشريكة مختلفة تماما عن الصورة المرتبطة بالزنا، والصورة المرتبطة بالمشروبات الروحية مختلفة عن صورة الخمر، والصورة المرتبطة بالفوائد مختلفة عن صورة الربا، والصورة المرتبطة بالمثليين مختلفة عن صورة الشواذ جنسياً أو اللوطيين.
هذا النوع من التلاعب لايقتصر على مجال دون آخر، لكن أكثر من يستخدمه السياسيون الذين يبرعون في تزييف الحقائق وبالتالي تزييف الوعي من خلال شعارات مقبولة من الجميع ولكن واقع السلوك مختلف، ومتابعة مثل هذه التلاعبات عملية تحتاج لمؤسسات بحثية يمكنها العمل على تتبع الأفكار المرتبطة بالكلمات.
«إن الكلمات ليس لها معاني متحركة ومؤقتة ومتغيرة من عصر لآخر، ومن شعب لآخر، فالكلمات تعيش كالأفكار» غوستاف لوبون.