في قراءة سريعة لاداء المنتخب البحريني في بطولة المنامة، يجد المتتبع ان شيئا جوهريا، لم يظهر من العطاء والنتيجة امام عمان، في بداية الانطلاقة، وقد كان العزاء متخفياً تحت ذريعة مباريات الافتتاح وما تخبئه من مفاجآت وروتينيات متوقعة تنعكس على الاداء والنتيجة، وذلك يحصل مع غالبية المنتخبات حتى العالمية منها. في المباراة الثانية، خرج الجمهور والمسؤول والمتابع البحريني راضياً عن الاداء برغم مرارة الخسارة وإسدال خيام التشاؤم مبكرا، حتى ان الجماهير الحمراء لم تخرج من الملعب الوطني غاضبة على لاعبيها ومدربها، وفضلت السكوت والانتظار بعد ان لاح بالافق امل، تطلب كسر عنق الزجاجة القطرية، وذلك ممكن وفقا لحسبة الارقام ولغة الاحصائيات، مع تأكيد على روحية الاحمر واصراره بضرورة نيل البطاقة الثانية والاستقتال من اجل اسعاد جماهيره.
بعد الخسارة غير المستحقة مع الامارات، سكت الجمهور واطبق الصمت والحزن، وبعض الفتيات والصغار لم يتمالك نفسه، فانسابت دمعات حرى على وجنات حمراء، واحتدم النقاش هنا وتناثر النقد هناك، وان ظل في اطارها العقلاني، عند ذاك اخذت طفلة تبكي بحرقة قرب باب الاستاد، ولم تهدأ عبرتها بعد، واخذت والدتها، تطيب خاطرها وتمسح دمعات البراءة والصدق، فالاطفال ينشدون ويشجعون بصفحات ناصعة البياض، الا من علم وطني ورقص شعبي وحب كروي وهيام اجتماعي، يقف بطابوره الاجداد والاباء والصغار كل يعبر بطريقته الخاصة والجميع ينشد احبك يا بلدي، ولم تهدأ الطفلة الا بعد ان قال لها احدهم: (لحين منته الشوط وعندنا لعبة اخرى و(جنص) اخير، وسنحققه لنفرحك ان شاء الله).
في الموقعة الفاصلة، نزل (الكالديرونون) بهدير احمر، قابض على جمرة الخسارة السابقة ومصر على تحقيق الفوز، الذي كان العطاء فيه متواصلا والاداء فاصلا هجوميا جميلا، برغم كم الهجمات الضائعة، ومع ان الهدف ظل عصيا، لولا ضربة الجزاء، الا ان الاحصاءات والنقاد اجمعوا على احقية البحرين بالفوز، وان العنابي لم يقدم ما يسعفه ويساعده على مواصلة مسيرته، قد لا تتوقف عند محطات شبه النهائي.
بعد الفوز وبلوغ المرحلة الثانية وتحقيق حلم بحريني كبير، خرجت مسيرات ومسرات جماهيرية حمراء، استمرت بعد منتصف ليل المنامة، وقد صادفت الكثير من المشاهد الشعبية المعبرة عن حب البحرين وسعادة المواطن بالانتماء لبلده، وقد استوقفت سيارة كانت بجانبي وفيها فتيات محتفلات وهن يرفعن الراية البحرينية، فبادرتهن بالقول: (مبروك عليكم الفوز والافراح، بس احنا ان شاء الله سنغلبكم – كانت بلهجة الود وصيغة الملاطفة)، فرد البعض من شباب البحرين، ممن كان يقف بجانبنا: (لا يبه، حنا ما صعدنا للشبه عشان اتغلبونه، سنغلبكم ونطلع للنهائي بعد)، فاجبته على عجالة، كي لا اقطع طريق المحتفلين: (يبه ما يصير، احنا ضيوفكم والضيف ما ينغلب، بل ينكرم وانتم عرب كرام).. ضحك الجميع، وصفق كل من في الباصات وعلى جنبي الطريق، المزدحم باعلام كل المنتخبات المشتركة بالبطولة برغم كون المحتفى به كان بحرينينا، عندها اخذت قبعة حمراء من بعض المحتفلين ووضعتها على راسي مشاركا اياهم الفرحة العربية.