مع اختلاط الحابل بالنايل في مشهد عجيب وغريب اصبح الواحد منا لا يعرف من هو الوطني الديمقراطي ومن هو المزايد ومن هو الطارئ ومن هو الذي يركب الموجة ومن هو الذي يبدل كل يوم قميصا ومن هو القابض على جمر الوفاء للوطن ومن هو الذي يعرف من اين تؤكل الكتف ومن هو ومن هو؟؟
في بواكير عملنا الوطني كانت الثوابت وكانت المعايير واضحة ودقيقة حتى خرج الطارئون في الزمن المنفلت فانقلبت الآية واختلت المعايير وفقدت الثوابت ثوابتها واصبح كل مزايد وطني وديمقراطي ومدني أكثر من الديمقراطيين.
والطامة الكبرى في كل هذا الخلط هي موضة «الثوريين» فكل باحث عن بطولة مجانية وكل عاطل عن اي موهبة وكل فاشل ديمقراطيا صار ثوريا بقدرة قادر حتى ولو كان ربيب قانون امن الدولة وعمل في ظل ذلك القانون السيء الصيت لأكثر من عقدين من الزمن اصبح اليوم «ثوريا» ومعارضا بل ومفكراً من مفكري المعارضة يحاضرهم في الثورة ويداعب عواطف الغوغاء والمتطرفين بعبارات معلبة في ثوريتها من مثل عبارة «انكم تصنعون التاريخ» وهي العبارة التي صدح بها «الثائر» الطارئ ربيب قانون امن الدولة في متطرفي انقلاب الدوار ذات مساء كئيب في تاريخ الوطن فقط ليستدر تعاطفهم معه ولينسوا انه كان مسؤولا كبيرا واحد صناع القرار لأكثر من عقدين من الزمان كان يعمل وكان ينشط فيهما تحت قانون امن الدولة ولم يرف له جفن وطني ولم تتحرك ثوريته على مدى خمسة وعشرين عاما كان خلالها متشبثا بالمنصب الكبير والكرسي الوثير فلم يحتج على قانون امن الدولة ولم تتحرك ثوريته الا عندما فقد المنصب واستغنت الدولة عن خدماته بعد ربع قرن وارادت ان تجدد الدماء فتذكر شيئا اسمه الثورة وتلبسته وهو صاحب المنصب الكبير سابقا حالة ثورية طارئة وانشغل بالتعرف والتقرب من رموز المعارضة وراح يغازلهم من بعيد ومن قريب حتى اصبح هكذا «ثوريا ومعارضا» يتقدم صفوف المحاضرات والندوات في ملعب المعارضة وينتشي بالتصفيق الثوري فيما هو يدرك جيدا انه يلعب دور الثائر والمعارض كورقة ضغط على الحكومة لعلها تساومه على منصب لا يقل عن منصبه السابق «فسكتته» بكرسي وثير ومال وفير وتعيده الى صناعة القرار الذي كان جزءا منه لربع قرن كانت سنواته عجافا في ظل قانون امن الدولة الذي لم يتحدث عنه ولا مرة واحدة فقط أو بشكل عابر طوال سنوات احتلاله للمنصب المغري وكان يتحدث وينتدي ويحاضر وقتها وكأن الدنيا ربيع والجو بديع ولا يوجد شيء اسمه قانون امن الدولة ولا مصادرة للحريات ولا يحزنون..!!
وسبحان مغير الاحوال عندما دشن حمد بن عيسى مشروعه التاريخي الكبير بالإصلاح والغى قانون امن الدولة واطلق حرية التعبير وحرية العمل السياسي والنقابي وفتح لدولة المؤسسات والقانون والانتخابات الحرة..
احتج صاحبنا «المسؤول السابق الكبير» وراح يزايد على الاصلاح وبشدة وبقسوة قاسية ويزايد على المشروع بثورية طارئة وبلغة نارية لم يكتشفها ولم يعرفها طوال ربع قرن كان فيها مسؤولا كبيرا وصاحب منصب رفيع وكان قابلا وراضيا بالعمل تحت قانون أمن الدولة.
فعن اي ثورية وعن اي ثورة وعن اي معارضة يتحدث صاحبنا الآن وكيف يقنعنا بثوريته وبمعارضته وذلك هو تاريخه وتلك هي صحيفة سوابقه في العمل وفي القبول بقانون امن الدولة فقط لان المنصب الذي كان يحتله كبيراً.
لم تفقد عقولنا الى هذه الدرجة حتى نصدق اللعبة وتبديل القمصان والضغط باسم الثورة للمساومة والعودة الى المنصب الكبير ليست سرا في اللعبة التي باتت مكشوفة بل ومفضوحة للجميع الذين يبتسمون في سرهم وهم يتابعون ثوريتك وخطاباتك المعارضة ولغتك النارية ويتذكرون ربع قرن مضى كنت فيها صامتا وكنت فيها راضيا عن قانون امن الدولة وحين تم القاؤه تلبستك حالة ثورية يا سبحان الله.