مرة أخرى ليست القضية قضية كلمات أو شعارات نخرجها من الأدراج بحسب مقتضيات واحتياجات الظرف الذي تمر به اللحظة المجتمعية العامة لنسوق لمشروع يناقض بالأصل تلك الكلمات وهاتيك الشعارات التي لا نقبض منها على شيء ولا تلزم من يرفعها بشيء بقدر ما يمررها ويروجها لمغازلة اللحظة وانتهاز الفرصة أو ركوب الموجة بأسلوب لا يخلو من انتهازية سياسية لا علاقة لها بحقيقة وبجوهر ايديولوجية وافكار وتوجهات من يرفع الشعار أو من يردد الكلمات ليكون في قلب المشهد أو ليخطف ثمرة تحولات محلية أو عربية تسعى وتعمل على تطوير مشروع كبير كمشروع الاصلاح في البحرين الذي جاء بالأساس مشروعاً مدنياً بامتياز يكرس الدولة المدنية في البحرين بما لا يحتاج معه إلى شعار يرفعه علي سلمان عن الدولة المدنية ويردده في كل محفل خطابي له «بعد انقلاب الدوار» وهو الذي كان لا يعرف هذا الشعار ولا يُقاربه ولا يقترب منه على مدى سنوات طويلة امطرنا فيها بخطاباته ومداخلاته وتصريحاته التي عدنا إليها ولم نجد فيها ذكراً للدولة المدنية على الاطلاق فهل استفاق أو بالأدق كيف استفاق علي سلمان فجأة على هذا الشعار «الدولة المدنية» ليصبح «لازمة» من لوازم خطاباته الأخيرة لا يكاد خطاب أو تصريح له في الداخل أو في الخارج ان يخلو منه؟؟.
هذا الالحاح وهذا «الاكتشاف» للدولة المدنية في خطابات علي سلمان الأخيرة ليس لغزاً غامضاً صعب الحل وصعب التفكيك فقراءة سريعة خاطفة للمشهد العربي الآن تضع يدنا على السر الذي دفع بأمين عام جمعية الوفاق لاختطاف شعار الدولة المدنية وزجه في كل تصريح له وفي كل خطاب وفي كل مقابلة من مقابلاته التي يجريها عبر تحركات وسفرات مكوكية إلى الدرجة التي لجأ فيها للظهور بمظهرٍ مدني إلى ارتداء البدلة وليبدو أفندياً واقرب إلى المدنية باعتقاده مظهراً لا جوهراً وهنا مربط الخيل.. فنحن امام أمين عام جمعية سياسية ذات مرجعية دينية معلنة في كل موقف تتخذه الجمعية بما يتعارض كل التعارض منطقياً وعلمياً مع شروط الدولة المدنية التي ركب علي سلمان موجتها في لحظة عربية عامة تتجه بقوة إلى خيار الدولة المدنية وهو خيار اعتقد علي سلمان أن ركوبه في هذا التوقيت بالتحديد سوف يمرر حركته الانقلابية ويمنحها غطاء تحتاجه بشدة بعد انكشاف انقلاب الدوار.
وبالنتيجة فإن رفع الوفاق شعار «الدولة المدنية» يظل شعاراً لا يمكن للوفاق ومن سار على نهجها ان ينجزه ويحققه ويطبقه على أرض الواقع كون هذه الجمعيات لم تفتح فضاءها يوماً لأي ثقافة مدنية أو لأي فكر مدني من ان يكون له مكان في ايديولوجيتها وفي مفاهيمها وحتى في ممارساتها منذ تأسيسها الأول حتى اليوم.
وبالتالي فهم يرفعون الدولة المدنية دون أن يكونوا مدنيين سواء بالتزامهم بالمرجعية الدينية أو بالتكوين الايديولوجي لجمعياتهم التي هي امتداد لاحزاب دينية طائفية «حزب الدعوة» الذي خرجت من تحت عباءته باسم الوفاق وما شابهها من جمعيات كجمعية «أمل» العمل الاسلامي التي خرجت من تحت عباءة المرجعية الشيرازية التي توارثت توجيه وقيادة احزابها ورسم وتخطيط ايديولوجياتها وافكارها.. فكيف تكتسب هكذا احزاب وجمعيات صفة المدنية وهي بلا مدنيين علماً وتذكيراً بان المدنية هي اساس وقاعدة الديمقراطية التي لا تقبل ولا تتقبل جمعيات واحزاباً دينية طائفية ذات مرجعية تحكم قرارها وتوجه مسارها وتحدد خيارها لتظل هياكلها الحزبية مجرد «ديكور» خارجي غير نافذ ولا نفوذ له في صنع القرار وصياغته فالحكم النهائي هناك عند مرجعية رجل واحد تنتهي عند مقامه كل الاشكال الأخرى وكل المكونات والهياكل وتذوب المؤسسة الحزبية عند اعتابه.
والدولة المدنية دولة التعددية بلا حدود لا دولة قرار الفرد بغض النظر عن موقعه والدولة المدنية هي دولة القرار المؤسساتي المدني.. هي دولة مدنيين بامتياز وهي دولة تعليم مدني واقتصاد مدني وسياسة مدنية وحريات مدنية وشخصية وعامة كثيراً ما رأينا الوفاق تطاردها وتقمعها وتلاحقها بشكل مهووس.. فكيف تتحقق عند هكذا جماعة الدولة المدنية؟؟.