يحدد علماء الاجتماع المثقفين كفئة في حد ذاتها تأخذ استقلاليتها النسبية عن طبقات المجتمع وتنجاز فكريا وايدلوجيا في التحولات الاجتماعية إلى احد طبقات المجتمع وتعمل ضمن اطار مصلحة هذه الطبقة أو تلك وتتصف فئة المثقفين بالتذبذب وعدم الثبات والتلون الاجتماعي ولها دور مؤثر وحاسم في عملية التحولات التاريخية من حيث منظور دلالات امكانياتها الفنية سواء في الشعر او الأدب أو المسرح وفي التخريجات الفلسفية والايدلوجية وتأخذ مواقفها في مقدمة مسرح الحياة وفي دوائر الاضواء الفكرية والاجتماعية جراء الصراع الطبقي والايدلوجي في الحياة الاجتماعية وفي طبيعة نشأتها الاجتماعية وخصوصيات التكوين النفسي والوجداني في خضم العملية التاريخية والمنعطفات الاجتماعية الحادة وقد تميزت نبتة فئة المثقفين عن شرائح المجتمع بخصائص عدم الثبات والتلون والتذبذب وتورم الذات والتجذر النرجسي والادعاء والتبجح الصلف والتوتر والتأزم وهذه صفات لا يجوز اطلاقها على جميع المثقفين بقضهم وقضيضهم ففي ذلك من التجني وعدم الدقة وانما هي صفة شائعة تلاحق أرتالهم في دهاليز انشطتهم الفكرية والابداعية والفلسفية وحيثما كانوا وأناخوا ركابهم (!).
ان صفة (الانا) والانانية المستمدة من انانية النفس هي افرازات كريهة روائحها تفوح بين لفائف قروح الأورام الذاتية وقد يتلمسها كل لبيب مهما حاول هذا المثقف او الشاعر أو الأديب أو الفنان اخفاءها والتمظهر بالتواضع وانكار الذات والايحاء الكاذب البليد بالإلمام بالمعارف والعلوم الفلسفية ونوادر الخصوصيات ونوبات المواهب التي تلم به اثناء الحالات الابداعية اكان شعرا ام نثرا ام اخراجا فنيا وما إلى ذلك في الحياة الفنية (!).
ان اشكالية المثقف تتمثل في اشكالية نرجسيته وهو ما يرتبط بتفاهة التركيبة النوعية لهذا المثقف او ذاك وحصيلة مدلولاته العلمية والثقافية.. ألم يرتبط ذلك بالنرجسية عندما تجد على ساحته الادبية هذه الأكوام التي فاقت التصور من الشعراء وعلى مختلف مشاربهم الأدبية والفكرية ناهيك عن شعراء ما يسمى بقصيدة النثر وإذا لم يكن ذلك بدافع نرجسي فلك ان تسميه ما شئت عدا ان يكون مظهرا صحيا في حياتنا الأدبية والفكرية وقد يكون صحيحا بان الحصيلة الثقافية والعلمية والإدراك الواعي للدور الاجتماعي والابداعي للمثقف هي احد الكوابح الضاغطة على «الغرائز» النرجسية التي تتفجر في ذات المثقف يقول سقراط«ان الفهم هو الدعامة الأولى والاساسية للسلوك الفردي والاجتماعي وذلك سواء على الفهم منصرفا إلى فهم الانسان نفسه أم فهمه لغيره ام معرفته للخير والحق والجمال في ذاتها باعتبار ان عدم فهم الانسان لنفسه ومغالطته لها وعدم فهمه لغيره وما في نفس ذلك الغير من نزعات ورغبات ومشاعر كما ان جهله لما هو خير وما هو شر كل ذلك يكون السبب الاساسي في اعوجاج السلوك الفردي والاجتماعي» حتى في مسألة ما يسمى جلد الذات نجد ان الكثيرين من المثقفين يتخذ من عملية جلد الذات سلما يرتقي به في ممارسة العادة النرجسية والتباهي بفضيلة زائفة امام الغير لتكريس ذاتيته وارضاء غروره وكبريائه في دوائر الاضواء الاجتماعية والفكرية والسياسية (!).