أبعــــــاد
تواريخ لها معنى
لسنا في وارد الرصد التأريخي الموثق وإنما هي تداعيات وسرديات من ذاكرة مرحلة عمرية تشكلنا من خلالها وتكون وجداننا الوطني والثقافي والاجتماعي.
وستبقى هذه التواريخ وهذه المناسبات مهما حاولت جماعات تشويهها او تبديلها بغرض محوها، وهو أمر لا يمكن لهم ان يحققوه فهو منقوش هناك في الأعماق الشعبية الواسعة وفي وجدان الاجيال فمن ينسى مثالاً لا حصراً السادس عشر من ديسمبر؟؟ وحتى هذه الجماعات شكل هذا التاريخ جزءاً من حياتها ووجدانها بغض النظر عن مواقفها الآن منه؟؟.
فالسادس عشر من ديسمبر ارتبط بأول عيد جلوس بل ارتبط بحفل تنصيب المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان حاكماً على البحرين، فالتاريخان لا ينفصلان من حيث المعنى الرمزي بالنسبة للنقلة في البحرين.
16 ديسمبر عرفناه أطفالاً في مرحلة عمرية مبكرة واستوعبناه واحتفلنا به ونحن فتية في الاعدادي، وكنا نقدم في الاذاعة حلقاتٍ خاصة في هذا اليوم في برنامجنا ركن الاشبال، فيما كانت الشوارع على تواضعها آنذاك تزدان بأعلام البحرين وبصور الحاكم/ الأمير الراحل رحمة الله عليه.
كانت الأقواس متواضعة لكن الفرحة كانت هي الرمزية وكان الناس في البحرين يخرجون ليلاً في ذلك اليوم وينتقلون بين المحرق والمنامة لمشاهدة االزيناتب والاحتفال.
وبهذه المناسبة اعتادت اسرة هواة الفن ان تقيم حفلاً منوعاً يغلب عليه الطابع الغنائي لعددٍ من فناني البحرين آنذاك ومنهم حمد الدوخي العائد من مصر أو الذي كان يدرس الموسيقى في مصر وقدم اغنيته الشهيرة أوال، واحياناً يدعون مطرباً مصرياً معروفاً للمشاركة.
وكجمهور كان الحضور قوياً وحاشداً رغم تواضع اصالة العرضب التي تكون في الغالب في صالات السينما الموجودة آنذاك مثل سينما النصر والبحرين وهي بالأصل صالات اعلى قد الحالب والكراسي من الحديد على ما أذكر.
بعدها صارت الاحتفالات تشمل المحرق وأنديتها لاسيما مع تشكيل فرق موسيقية وغنائية وتمثيلية في تلك الاندية، وكان 16 ديسمبر هو المناسبة التي لابد وان تقدم فيها هذه المؤسسات عروضاً وأعمالاً بشكل طوعي وبمبادراتٍ منها ومن القائمين عليها.
وهو ما يؤكد المعنى والدلالة الرمزية لهذا التاريخ 16 ديسمبر بمعنى انه ليس يوماً عادياً كسائر الأيام وهذا هو شعور أهل الديرة عبر الأجيال منذ ان اصبح 16 ديسمبر يوماً لعيد الجلوس.
وكذلك هو العيد الوطني الذي اندمج مع عيد الجلوس عرفناهما في يوم واحد وتاريخ واحد للاحتفاء انطلاقاً من رمزيتهما المشتركة في وجدان البحرين.
وكذلك فالاحتفالات بالمناسبة اخذت نسقاً متطوراً مع زمنها ومع التطور في كل شيء.. ولكن تبقى لتلك الاحتفالات البسيطة نكهتها في ذاكرة جيل الستينات، نتذكرها ونستعيدها ليس من باب المقارنة ولكن من زاوية استدعاء الذكريات وكيف كنا بسطاء ولكن مخلصين كما نحن اليوم في اندفاعاتنا الشبابية المبكرة للتحضير والمشاركة في تلك الاحتفالات.
حتى نادينا البسيط جداً انادي التعارفب الذي اندمج مع نادي الحالة كنا نقدم فيه تمثيليات واغان وكذلك مسابقات ترفيهية وثقافية بالمناسبة مدفوعين بما يرمز له هذا اليوم في وجداننا الشاب.
وبالتالي فالتواريخ برمزيتها المحفورة في وجدان الشعوب وليس بالرقم الوارد في الاجندات المعلقة على الحوائط وفوق المكاتب.. فأيامنا واحتفاؤنا بها هي تاريخنا الذي اخترناه مناسبة شعبية ومجتمعية وهي السرديات وهي الذكريات التي سنرويها لاحفادنا وسيحتفـي بهــا الاحفــاد كمـا احتفلنا قبلهم.