على مشارف تكويننا الثقافي الأول كانت الروايات والقصص هي نبعنا الذي اغترفنا منه منذ المرحلة الاعدادية الاولى في مدرسة الهداية الخليجية التي لم تستطع مكتبتها ان توفر لنا ما كنا نبحث عنه من روايات عربية لنجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعي، ذلك لان مكتبة المدرسة كانت زاخرة بكتب التاريخ وكتب التراث، كون مدير المدرسة المرحوم الاستاذ عبدالله فرج متخصصاً ومحباً للتاريخ.
اضطررنا إلى الاشتراك في المكتبة العامة وفي مقرها الوحيد في المنامة حيث لم تفتح لها فروع في ذلك الوقت وكان الاستاذ محمد حسن صنقور رحمة الله عليه مسئولاً ومديراً للمكتبة لسنواتٍ طويلة.
تعرفنا على احسان عبدالقدوس أولاً ونهلنا وقرأنا جميع رواياته وقصصه كونه يخاطب اعمارنا في ذلك السن ثم بدأنا نقرأ نجيب محفوظ بعقل آخر وبحسٍ آخر.
وكنا نظراً لمحدودية الامكانيات المالية نتبع اسلوب تبادل الكتب بحيث نوفر على انفسنا مشقة الانتظار حتى نوفر المبلغ المطلوب للرواية المطلوبة.
وتوالت السنوات وبدأ اهتمامنا بالكتاب السياسي وكانت مكتبة «عبيد» هي الاشهر في سوق باب البحرين، وكان الكتاب اليساري مطلع السبعينات هو مقصدنا وهو هدفنا وهو ما نبحث عنه في كل مكان نعرفه أو لا نعرفه.
وقرأنا لكتاب اليسار العرب والاجانب وكان المقهى المقابل لمكتبة عبيد هو استراحتنا نحن شباب اليسار وقتها نلتقي ونتناقش على «ملة» الحليب.
ويتذكر جيلنا مطلع السبعينات حتى منتصفها مجلة «البلاغ» اللبنانية التي كانت تصل البحرين كل خميس وكيف كنا ننتظرها بفارغ الصبر لنقرأ تحليلاتها التقدمية ذات النكهة اليسارية لكتاب عرب وأجانب.
ومن خلالها اقتربت شخصياً من أفكار ومن اسلوب الكاتب والمفكر الناقد الراحل غالي شكري وبدأت أبحث عن كتبه فكان كتاب «ثقافتنا بين نعم ولا» أول كتاب له أقرؤه.
ثم توقفت طويلاً في محطة المفكر اليساري الراحل محمود أمين العالم وهي محطة ابتدأت مطلع السبعينات واستمرت إلى مطلع الالفية الجديدة، وقد كنت محظوظاً حين اجريت معه حواراً مطولاً لتلفزيون البحرين.. اتفقت واختلفت معه في ذلك الحوار ولكنه كان وظل استاذاً.
كانت المكتبات الخاصة أو التجارية في المحرق قليلة وان كانت المحرق الاسبق وشهدت مكتبات قديمة منها مكتبة الجودر لكنها لم تكن تلبي طموحاتنا في الكتب الجديدة وفي المجلات، وهناك في شارع التجار في المحرق مكتبة الظاعن ثم افتتح «عبيد» فرعاً له في المحرق.
ثم تعرفت على مكتبة في شارع المهزع هي مكتبة البحرين لصاحبها المرحوم محمد المهزع واكتشفت فيها كنزاً من الكتب التي توافق توجهي في ذلك الوقت ومما كنت ابحث عنه ولذا كنت أزورها اسبوعياً.
كان اللافت ان تلك المكتبة مفتوحة الرفوف بدون تنضيد مما اعتدنا عليه في المكتبات مما يجعلك تدور على جميع الرفوف وتبحث في كل مكان ما أتاح لنا اكتشاف كتب وروايات وقصص وبحوث جميلة ومهمة.
ومكتبة العليوات كانت ايضاً احدى المكتبات التي لابد وان نعرج عليها ونبحث بين رفوفها عما يروي ظمأ المعرفة لدينا في السبعينات ومطلعها الجميل الذي تفرغت شخصياً فيه للقراءة بشكل نهم.
لكن الثمانينات والتسعينات وحتى الآن اصبحت القراءة بالنسبة لي ممنهجة ومرسومة بدقة الاختيار.
ولن ننسى لتلك المكتبات فضلها علينا وعلى جيلنا حيث وفرت بحسب امكانياتها وبما كان مسموحاً لها به من الكتب ومن الروايات ومن المعارف ما شكل وجداننا وفتح الآفاق لنا في كل مجال سياسي وفني وأدبي وبحثي.
ومازالت المكتبات «صديقة لي» ورفيقة درب وعمر وزيارتها جزء من برنامجي أذهب اليها بشوق رغم كل هذه العقود على المعرفة والصداقة الحميمة معها.