تكمن في عقولنا العديد من الأفكار والقيم والمبادئ التي نتداولها ونعدها من المسلمات التي لا جدال فيها ولا مراء، بعضها متبلور على هيئة قصص تراثية، وبعضها على هيئة نكت وطرف، وهناك نوع آخر نلمحه في أمثلتنا، أحد هذه النماذج مثال يضرب كثيراً للأبناء حين يقال انهم مثل الطين الذي يحتاج إلى تشكيل، ويقوم بهذا التشكيل أطراف عديدة؛ الأب والأم في البيت، والمعلم في المدرسة، والشيخ في المسجد، والرفقاء في الحي، والقنوات الفضائية في التلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعية عبر الإنترنت.
هذا المثال رغم شيوعه وتكراره إلا أنه بشع في معانيه، وبشع في الفكرة التي يطرحها أرضاً فيدميها..!
إنه يعزز مفهوم أن الأبناء عبارة عن «كتلة من الطين» لا شكل لها، ولا هوية، ولا إرادة، ولا حرية من بداية استخراجها، ولغاية طريقة إخراجها النهائية..!
ولعلنا حين نلمح جيلاً كاملاً متذبذباً، يسير مع الريح حيثما سارت، ويتلون مع الظروف كلما صارت، علينا أن نتذكر تلك الكتلة الطينية التي طالما ضُربت مثلاً.
إن الإنسانية في أروع صورها تتمثل في حرية الاختيار كما يقول علي عزت بيغوفيتش، فالحرية جوهر الوجود الإنساني، في دقائق أموره وفي أعلاها حين يقرر القرآن الكريم أن «لا إكراه في الدين».
الأبناء ليسوا طيناً يحتاج لإعادة تشكيل، بل هم أقرب إلى شتلات النباتات الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية، وتحتاج إلى اهتمام، حتى إذا نمت وربت خرجت كشجرة أصلها ثابت في الأرض، وفرعها شاهق في السماء، تؤتي ثمرها كل حين، وفي أي مكان.