الكلمات تشبه إلى حد كبير العناصر الكيميائية، التي ما إن تمزج مع عناصر أخرى حتى يخرج لنا مركب كيميائي جديد، بعد سلسلة من التفاعلات، هذه النواتج يمكن أن تكون كمركب الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، ويمكن أن ينتج عنها سموم قاتلة كمركبات المواد المشعة والسموم.
وكلماتنا حينما تمتزج مع بعضها البعض، فإنها تتسبب في إحداث تفعلات في نفوس مع نخاطبهم، ينتج عنها مشاعر وأحاسيس ثم سلوكيات.
ونحن حينما ننتقي أطايب الكلمات في جدنا وهزلنا، في أمرنا ونهينا، في همسنا وجهرنا، في حبنا وكرهنا، فإننا ولاشك سنعين من نخاطب على تفاعلات نفسية طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ».
ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «والكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه. وفي حديث ثاني «المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هَجَر ما نهى الله عنه» رواه البخاري، ومسلم. وفي حديث ثالث «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم» رواه البخاري.
ويقال ان هارون الرشيد جاءه رجل فأغلظ له القول، فقال: «إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال: «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا».
ولعل في هذه الآية مثال عميق وطرح في غاية الجمال، ففي الوقت الذي يظهر فيه فرعون الكفر البواح ويتحدى الإرادة الإلهية، ويزعم أن الأنهار تجري من تحته، ويقول ما علمت لكم من إله غيري، يأتي الخطاب الرباني حاسماً في التوجيه بأن يا موسى وهارون اذهبا إلى فرعون الطاغي الباغي وقولا له قولاً لينا. وما أحوجنا إلى التعامل مع الآخرين بناءً على ذلك التوجيه.