جولة بسيطة في مواقع التواصل الاجتماعي، بمجتمعاتها الافتراضية التي تحتضن المليارات البشرية الهادرة يمكن أن تعطينا مؤشراً للتفجر العاطفي الشديد في كل الاتجاهات، عواطف متضاربة لنفس الأشخاص أحياناً وخلال فترات زمنية لا تذكر.
العديد من الفتيات -أو الأغلب- دخل عليهنّ من يصارحهنّ بحبه لهن، والكثير من الكتاب والناشطين -أو أغلبهم- دخل عليهم من يصارحونهم بإعجابه بهم، إعجاب حب لا إعجاب احترام..!
وحين ننتقل إلى عواطف الكره والبغض سنجد انفجارا من نوع آخر مستهل باللعنات، والشتائم، والتعبيرات غير اللائقة. حتى أولئك الكتاب والناشطون يستخدمون العديد من ألفاظ المبالغة لمحاولة إيصال رسالتهم الثقافية أو الفكرية أو الاجتماعية.
المشكلة في كل هذا أن الجماهير باتت اليوم لا يغريها الحديث الموضوعي، العقلاني، الذي يحاول أن يصف الأمور كما هي، بل صارت تريد المزيد والمزيد من التعبيرات المجازية الصادمة، والصاعقة، والقوية. صارت الجماهير كالمريض الذي استنزف المضادات الحيوية البسيطة من كثرة استخدامها حتى بات لا يمكنه العيش مع أبسط الأمراض إلا باستخدام مضادات حيوية من النوع القوي والمؤثر الذي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات هي أخطر من الأمراض نفسها.
لقيت سلوتي في تفسير هذه الظاهرة بجملة كتبها المفكر الإسلامي د. علي عزت بيجوفيتش رحمه الله في كتابه الراقي «الإسلام بين الشرق والغرب» حيث يقول: «تتسم الثقافة الجماهيرية بحالة عقلية أشار إليها «يوهان هويزنجا» باسم الصبيانية. فقد لاحظ أن الإنسان المعاصر يتصرف بطريقة طفولية - بالمعنى السلبي للكلمة، أي بطريقة تتفق مع المستوى العقلي للمراهقة: تسليات مبتذلة، غياب روح الفكاهة الأصلية، الحاجة إلى أحداث مثيرة ومشاعر قوية، الميل إلى الشعارات الرنانة والاستعراضات الجماهيرية، والتعبير عن الحب والكراهية بأسلوب مبالغ فيه، اللوم والمدح المبالغ فيهما، وغير ذلك من العواطف الجماهيرية القاسية».
بالمعنى المباشر فإن ظهور الثقافة الجماهيرية التي غذتها وسائل الإعلام المختلفة أدى إلى حدوث تغيرات عميقة في السلوك والعاطفة الإنسانية برمتها، وقادنا إلى التحول إلى صبيان ومراهقين في عواطفنا وردات فعلنا.