منذ فترة حضرت هنا في البحرين اجتماعا موسعا لإعلاميين وخبراء علاقات عامة ومهتمين دار خلاله جدال كبير حول سؤال: هل ما يزال الجمهور يهتم بالصحف المطبوعة في ظل ثورة وسائل الإعلام الاجتماعي؟
أحد المتحدثين كان حاسما لناحية القول إنه إذا كان جزءا لا يستهان به من الجمهور البحريني عزف عن الاعتماد على الصحف كمصدر أساسي للمعلومات فهذا ليس نتيجة طبيعية لثورة التكنولوجيا وإنما لأسباب بنيوية تتعلق بتراجع أداء الصحف ذاتها.
يبدو لي هذا صحيحا إلى حد كبير، فالتطور التاريخي يخبرنا بأن الصحف صمدت أمام ظهور الراديو الذي صمد بدوره أمام ظهور التلفزيون. أيضا استطاعت صحف كبيرة مثل «الواشنطن بوست» و«اليوم السابع» تعزيز وجودها وزيادة عدد قرائها عبر استخدامها المدروس والفعال لوسائل التواصل الاجتماعي.
هكذا شكَّلت تلك الوسائل استطالة أو امتدادا لتوزيع المحتوى الذي يقوم الصحفيون بإنشائه بدل اقتصاره على التوزيع التقليدي، وتمكنت بعض الصحف من تطوير محتواها النصي إلى وسائط متعددة «ملتميديا»، واصبح الصحفي لديها متعدد المهام يحمل قلمه ودفتره وكاميرته –الفوتوغراف والفيديو- وبعض الصحف فرضت على كوادرها الإعلامية تعلم أساسيات التعليق والمونتاج.. .
لا تتيح المساحة هنا قول كل شيء حول كيفية دمج الصحف المطبوعة بالشبكات الاجتماعية، كما أن جدلا أكاديميا يدور في الغرب حول وضع أسس أكاديمية تضبط ذلك، لكن الممارسة العملية أنتجت عناوين عريضة للعمل منها تحليل الوضع الراهن لكيفية استخدام صحيفة ما لقنوات الإعلام الاجتماعي، ودراسة المنافسين، والتخطيط المسبق أو «الاستراتيجية»، ووضع السياسات الداخلية والخارجية، وتدريب فريق العمل، وإصدار التقارير وقياس نتائج الأداء وتصويبه بشكل دوري.. .
بذلك يمكن تطويع قنوات الإعلام الجديد لتصبح أداة تخدم الإعلام التقليدي الذي لا زال يقدم محتوى رصينا مهنيا مسؤولا عوضا عن الخوف من أن تحل مكانه.