لن أتحدّث عن الإخوة السلفيين فيما يخصّ الفنون لأنّ موقفهم واضح وصريح، فهم ضدّ الموسيقى بشتّى أشكالها وألوانها وضدّ الحفلات الموسيقية وضدّ المسرح المختلط وضدّ المعارض إذا احتوت لوحاتها على رسومات لذات أرواح. وكما أنّي أختلف معهم في رؤيتهم للفنّ ولكنّي أحترم فيهم الوضوح والصراحة. أما المنبر الوطني الإسلامي (وجمعية الإصلاح بالتأكيد) فإنّ موقفه من الفنون يبدو ضبابياً لدى البعض.
سأكون ظالماً لتاريخ جمعية الإصلاح لو قلت بأنّ الجمعية ضدّ المسرح، فهي لديها رصيد مسرحي لا بأس به. وإذا كنت لا أجد توثيقاً معتبراً للرصيد المسرحي لنادي الإصلاح منذ أربعينيات القرن الماضي إلى السبعينيات، فإنّي قد شهدت النشاط المسرحي للجمعية في الثمانينيات والتسعينيات، حيث تمّ تقديم عروض مسرحية شهدت إقبالاً جماهيرياً كثيفاً في قاعة المرحوم عبد الرحمن الجودر بمقرّ الجمعية بالمحرّق.
أذكر منها مسرحية «ابن تيميّة في مواجهة الطوفان» التي ألّفها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ونفّذها وأخرجها نخبة من شباب جمعية الإصلاح. وأذكر منها مسرحية جزيرة الأفراح، وهي مسرحية تحكي قصّة القرى الآمنة التي يداهمها العقاب الربّاني إذا تمادت في الآثام، وقد حضر المسرحية نخبة من المسرحيين البحرينيين المعتبرين وأشادوا بأداء الممثلين. كما أذكر أوبريت «ميلاد أحمد» وهو من إخراج الفنّان عادل شمس، وتمّ فيه تحريك مجسّم للفيل بواسطة ممثلين من شباب الجمعية، وهو ربّما يعدّه بعض الإسلاميين من المحرّمات لأنّ فيه محاكاة لخلق الله. كما تمّ فيها تركيب لحى للمثلين وهو ما يعتبره بعض الإسلاميين وصلاً محرّماً للشعر وتغييراً لخلق الله.
أما في مجال الغناء فإنّ جمعية الإصلاح سبّاقة في هذا المضمار عبر ما تسمّيه «الأناشيد»، فقد أصدرت في ثمانينيات القرن الماضي سبعة ألبومات إنشادية بعنوان «بحريني»، وهي تضمّ أناشيد متنوّعة يدور أغلبها في فلك الجهاد والإيمانيات وسيرة الرسول. ولقد كانت هذه الأناشيد تخلو من أيّ آلة موسيقية أو دفوف. ثمّ دخلت الإيقاعات على الأناشيد في منتصف التسعينيات، قبل أن تحدث النقلة الكبيرة ببيع الأناشيد بالآلات الموسيقية الكاملة في فعاليات الجمعية ومنها ألبومات سامي يوسف وموسى مصطفى وطيور الجنّة.
ولم يكن المسرح والنشيد على هامش اهتمام جمعية الإصلاح بل كانت تُخصص لهما لجان أساسية وتُرصد لهما ميزانيات، وكانت العروض الإنشادية والمسرحية أساسية في فعاليات الجمعية ورحلاتها ومهرجاناتها.
ربّما لدى جمعية الإصلاح تحفّظ في مسألة مشاركة المرأة للرجال في العروض المسرحية أو في الإنشاد، وهو ما لم تستطع الجمعية تجاوزه.
وإذا كان بالإمكان الاستدلال من خلال الأمثلة السالفة على أنّ جمعية الإصلاح ليست ضدّ الفنون، فهل تحفّظها الوحيد هو بشأن مشاركة المرأة في هذه الفنون، ولذلك هي تحفّظت على أنشطة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث؟ أم أنّ لهذه الاحتجاجات مآرب سياسية؟