في محلّ بيع الملابس قصدتُ الركن الخاصّ بربطات العنق. كنت أطمح في الحصول على ربطة عنق أنيقة عوضاً عن الربطات القديمة التي أستعملها. جاءني البائع الوسيم واقترح عليّ أنواعاً من الربطات ولم يعجبني أيّ منها، وانتبهت إلى أنّ في الجهة المقابلة ركناً آخر وبه عدد كبير أيضاً من الربطات، فطلبت منه أن يريني عدداً من ربطات ذلك الركن.
اعتذر بأدب وقال لي: «إنّه ركن خاص سيّدي، ولا يمكنك أن تشتري منه شيئاً». قلت له: «هل تتحدّث عن ارتفاع ثمنها؟ لقد خصّصت مبلغاً جيّداً من المال من أجل ربطة العنق وإذا ما أعجبتني إحدى الربطات هناك فلن يُعجزني دفع ثمنها؟». قال لي: «المسألة ليست في المبلغ، المسألة في الاستخدام سيّدي. إنها باختصار لا تصلح لك».
لم أفهم ما الذي كان يقصده البائع بالاستخدام، هل ربطات العنق هذه يستخدمها الرعاة في الصحراء لربط أرجل الإبل أو لجرّ المواشي أم كسروج للأحصنة؟ وهنا عدت للسؤال مرّة أخرى، ولمّا وجدني البائع أحاصره بالأسئلة لم يجد مناصاً من البوح بالأمر وقال: «إنها ربطات عنق دينية يا سيّدي. إنها مصنوعة من قماش العمائم والأشمغة والجبب. إنّ مستخدمها يستطيع أن يلفّها فوق رأسه عمامة في الليل ويستيقظ صباحها ليلفّها حول عنقه».
قلت له: «وما الغرض من ذلك؟». قال: «هناك جماهير لا تطيع إلا من يلبس العمامة أو الشماغ، وهناك جماهير لا تقتنع إلا بكلام من يلبس ربطة العنق. وربطة العنق هذه تجعل المرء يحافظ على مختلف الجماهير. إنها مناسبة لجماهير المسجد والشارع ولجماهير الندوات السياسية».
من بعيد كان هناك ركن آخر به ربطات عنق ضخمة، لا يبدو أنها مصنوعة للبشر. سألته باستغراب: «وربطات العنق تلك ما هو استخدامها؟»، قال لي: «تلك ليست للبس وإنما للانتحار. إنها للوطن إذا فكّر بالانتحار». استغربت كثيراً مما قاله، فسألته: «ولم تفكّر الأوطان بالانتحار؟». فقال لي ببرود شديد : «لما يكون الوطن مخيّراً بين أن يُنحر على مقصب الخديعة أو ينتحر بملء إرادته فإنّه سيفضّل الثاني بكلّ تأكيد».
وحين وجدني صامتاً سألني البائع بلطف: «هل تريد يا سيّدي أن أفرّجك على ركن اللحى؟».