نقولها بكل وضوح ودون أدنى مواربة: الوطنية ممارسة عملية واقعية، وواجب مجتمعي ينبني على إحساس معنوي يربطنا بالأرض والمكان واللغة والعقيدة والثقافة والتاريخ في إطار علاقتنا المشتركة مع المحيطين بنا. وأساس هذا الواجب المجتمعي، العمل على بناء الوطن، استنادا إلى تعاون جماعي يتسم بالصدق والإخلاص وتفضيل الغير على النفس أو ما اصطلح عليه أهل اللغة بـ«الإيثار». وما أحوجنا في هذا الوقت للعودة للتذكير بأن الوطنية علاقة وجدانية فطر الإنسان عليها من خلال ارتباطه بأرض الوطن وأفراده، ولا يمكن أن تتواجد الوطنية الصادقة لدى من لا يؤمن بهذه العلاقة، ومن ثم يصبح هناك خلل جسيم في علاقته بالآخرين وبالوطن الذي يعيش بين جنباته. وإذا كان الاجتماعي والفيلسوف الراحل قاسم أمين، قد اعتبر الوطنية الصحيحة «لا تتكلم كثيرًا ولا تعلن عن نفسها»، فإنما أراد أن نترجم إيماننا بالوطن إلى سلوكيات ووقائع، تهدف في الأخير إلى بناء وطن متكامل الأركان، متماسك في نسيجه الاجتماعي.
وأولى هذه القيم التي يجب العمل عليها، احترام الغير والإيمان بحقه في العيش الآمن، فبقدر ما تعطي، يمكن أن تأخذ، وبقدر ما تحب الخير للآخرين وتعمل عليه، فإنهم سيبادلونك الشعور ذاته، وما دمت تحب لأخيك ما تحب لنفسك، ومادامت هذه سمة العلاقة بين أفراد المجتمع كافة، فإن الأمر سيتحول إلى ظاهرة اجتماعية، تمتد من بعدها الثنائي إلى بعد اجتماعي أشمل. وإذا أردنا أن نطبق ذلك عمليا في بلدنا، نجد أننا بحاجة إلى تأصيل ثقافات وفكر قبول الآخر وإعادة صياغته ببرنامج عملي محدد المعالم، فالعلاج مرتبط بثقافة أجيال، ومستقبل الأجيال القادمة، أمانة في أعناقنا يجب الوفاء بها من خلال رؤى ومفاهيم قائمة على قراءة علمية وعملية للمستقبل.
مرة أخرى..اجعلوا الوطنية الصادقة واقعا راسخا قولا وعملا وكلما زادت قناعات الفرد بحقوق المحيطين به وموجبات المواطنة الحقيقية، كان صالحا لمجتمعه ولأجياله المقبلة.