أشارككم اليوم بإحدى قصص الاستشارات النفسية التي أشرف عليها بعد استئذان أصحابها، لما وجدت فيها من مفارقات تدعو للتروي والتأمل، خصوصاً لمن عقد العزم على اختيار شريك العمر. فقد يستحضر من قضيتنا اليوم العبرة والحكمة.
كانت فتاة حالمة تتمنى رجلا جنتلا، راقيا بمعنى الكلمة كما أخبرتني. رجل يعاملها كأميرة، يطير بها فوق السحاب الوردي عند الأصيل. كانت تتمنى أن تمضي الأمسيات الجميلة على أضواء الشموع المتساقطة لتغمض جفنيها، تغفو بحب وتصحو على حب، متفائلة بيوم جديد يدغدغ أنوثتها ويحرك مشاعرها المتعطشة لكلام الحب والعشق المتجدد. كانت تحلم بأن تمضي حياتها كاملة متأبطة ذراعي حبيبها القويتين، ولم يكن هذا الحلم يخصها وحدها، بل قد تشاركها الكثيرات من فتياتنا الحالمات بحياة كالعسل، لا تشوبها مشاكل ولا تعكر صفوها أمور الحياة الروتينية، يحلمن بحب لا يموت ولا يمرض ولا يشيخ.
وعلى الرغم من هذا الحلم البسيط بالنسبة لها، فقد تزوجت فتاتنا زواجاً تقليدياً ومن زوج تقليدي أيضاً يفترض أن تكون الزوجة ربة بيت، يتزوجها لتطهو له، وترتب حياته وتنجب له أولاده. وكعادة المخطوبين حديثاً فقد كان في البداية حنونا وكريما في التعبير لها عن حبه وعن هيامه بها وبجمالها، ما أشعرها أنها قد وجدت ضالتها في هذا الزوج الذي انتظرته طيلة حياتها.
ولكن لم يمضِ غير شهور قليلة حتى بدت تعابير الحب المتأجج في الاختفاء وبدأت أمسيات الحب التي حلمت بها في التلاشي وبرزت مكانها علامات البخل في التعبير عن المشاعر تظهر بوضوح شديد على زوجها. قالت الفتاة ربما هو مشغول بتوفير لقمة العيش لي ولمن في بطني ولكن طال انتظارها لتلك الكلمات، وذاك الحب الذي قد شاخ وهو في المهد. كان ظمأها للحب وللكلمات الرومانسية يزداد مع أشراقة كل شمس، حتى صار قلبها كالصحراء الخالية من أي نسمة حب أو أي زهرة أمل في تحقيق حلمها الذي صحت منه سريعاً.
حاولت أن توجه طاقتها الكبيرة للحب نحو أبنائها ولكنها بحاجة للرجل الفارس الذي حلمت به وانتظرته، رجل يتفاعل مع تلك الطاقة المتأججة للحب، بحاجة لسيل من المشاعر يكتسح صحراءها المجدبة المتعطشة للمشاعر. حاولت بأنوثتها أن تحرك هذا الجبل الجليدي والذي كان يزداد ارتفاعاً بينها وبين زوجها فلم تستطع، كانت تحاول استعمال كل ما لديها من خبرة في أمور الزواج على أن ترفع من حرارة مشاعر الزوج ولكن دون جدوى، وكيف لمعول صغير أن يهز جبلا. إلى أن أتى يوم شعرت فيه باليأس من المحاولة وتكرار المحاولة، إلى أن سقط المعول من يديها الضعيفتين.
كم شعرت فتاتنا في ذاك اليوم بالوحدة والخوف والضياع، ضياع حلمها المتواضع في الحصول على الحب الحقيقي من وجهة نظرها، ومن شدة يأسها فتحت النقال وصارت تبحث عن أي رجل يرد على مكالمتها. لم تنتظر طويلاً بل أتاها صوت مفعم بالرجولة والحيوية ليقول: نعم من المتكلم، لترد: أنا. من أنتِ: أناة وتلعثمت، وبسرعة ودون تفكير، أغلقت الخط. لم يرضَ صاحبنا بهذا الرد، ليعاود الاتصال برقم الهاتف، ومن هنا بدأت قصتها الجديدة ومغامرتها التي جددت الأمل لديها بوجود مثل هذا الرجل الأسطورة الذي كانت تحلم به، ذاك الرجل الذي يشعرها بأنوثتها، بحرارة مشاعرها، وبأهمية تلك الحرارة في حياته. عاشت صاحبتنا حلمها بالحب بعيداً عن واقع حياتها الممل البارد. لقد لعب هذا الرجل بعقلها وعرف سريعاً نقطة ضعفها ولكنها لم تخن زوجها، على الأقل بجسدها، رغم أنها قد باتت ليالي كثيرة تحلم بالآخر ومتى يتحقق لها الزواج الجديد.
إلى أن أتت يوماً إلى زوجها طالبة فيه الطلاق، لم يصدق زوجها ما سمع وصرخ متسائلا: لماذا؟؟؟!!! أجابت بكل ثقة لأنك لم تعد تحبني ولم أعد أنا أحبك، فحبنا يحتضر. لم يعتقد الزوج بأنها جادة فيما تقول، واعتقد أنه مجرد تدلل من زوجته لتلفت نظره لتقصيره في الاهتمام بها. ولكنها لم تترك له فرصة للتفكير بل كررت طلبها للطلاق، ثار الزوج وسألها أن كانت على علاقة بشخص آخر، فردت بالإيجاب قائلة: هو أرق منك، (جنتل مان) رجل بمعنى الكلمة، يسمعني كلمات قد حُرمت منها وطلبتها منك كثيراً، ولكنك قد سبق وأدرت لي ظهرك لتتركني وحيدة مهملة، وها أنا اليوم أنشد الحرية لأرتبط بمن سيعوضني سنين حياتي فقد وعدني بالزواج.
لم يستطع الزوج تحمل الصاعقة، فطلقها على الفور. شعرت حينها بالحرية وبقرب تحقيق حلمها بالزواج من الآخر، ولكن ما كادت أحلامها أن تبدأ إلا وتعذر صاحبنا فارس الأحلام الجديد قائلاَ: ماذا سأقول لزوجتي ولأولادي الذين لم تكن فتاتنا تعلم عنهم أي شيء، إلا بعد أن هدمت بيتها وهجرت أولادها بحثاُ عن الحب المفقود.
المختصة النفسية بمركز الشرق الأوسط الطبي