قد أختلف هذه المرة مع مقولة اليس كل ما يتمنى المرء يدركهب حيث إن أمنيات الإنسان وآماله إن رافقها الإصرار والإرادة القوية، فسينالها بتوفيق من الله، أما إن أخذ يمني نفسه بعيدا عن العزم والجهد، فسيبقى ساكنا محله.. هذه الكلمات سيطرت على تفكيري ووجداني بعد أن أثار إعجابي وأشجاني في وقت واحد، مشهد الشاب الكويتي الذي وقف أمام رئيس مجلس الأمة في بلاده وكله ثقة واعتزاز بنفسه وما يؤمن به.. الإعجاب مرده أن بناء الشخصية هو الطريق الأمثل لتأسيس جيل واثق متزن، أما الأشجان فمنبعها الخلل الحادث في مفاهيم التربية لدينا، وكيف أننا لا نبدي اهتماما كافيا بزرع الثقة في نفوس أطفالنا، معتقدين أن لغة الأوامر وقائمة النواهي التي تمتد من أنواع الطعام حتى طرق التفكير، كفيلة بتربية أبنائنا وإبعادهم عن دائرة السوء. لكننا وبهذا المنهج نسلب الطفل إرادته وقدرته على اتخاذ القرار، صحيح أنه يحتاج مساعدتنا لكن الأمر لا يجب أن يكون بمحو شخصيته بإملاءات تفقده ثقته في نفسه.
تعالوا بنا إلى نقطة البداية، فبناء شخصية الإنسان تكون منذ ولادته ثم تتلون من حياته الاجتماعية والثقافية المحيطة والمراحل التي يمر بها، وإن كانت لديه نظرة إيجابية للحياة، فسيكون ناجحا ويبحث عن حلول لما يواجهه من مشكلات، فالشخص الإيجابي قوي الشخصية بطبيعته قادر على تنفيذ إرادته وتحقيق أهدافه ولديه من الشجاعة ما يسمح له بالاعتراف بأخطائه.
وإذا كان الأمر كذلك.. فماذا نحن فاعلون داخل الأسرة وفي المدرسة بحق أطفالنا؟ هل تحذيرات طابور الصباح من دون السماح للطالب بالتعبير عن نفسه وهل نواهي الأب والأم للطفل في مستهل يومه، ستجعل منه شخصا واثقا صاحب شخصية قوية؟ هل أدينا واجباتنا أسريا وتربويا وحاولنا قراءة ما لدى أطفالنا من مواهب وقدرات وعملنا على تنميتها؟ متى نكف عن توجيه أطفالنا بالسمع فقط حين يرتادون معنا المجالس ويكون دورهم فقط في الإنصات دون سواه؟
لدينا مركز للموهوبين تابع لوزارة التربية والتعليم ولدينا زيارات المدارس للمؤسسات والهيئات والشركات، لكن ذلك لن يحقق الغاية المرجوة من دون مشاركة فاعلة للطلبة داخل الصف مع المدرس وليس فقط تلقي المعلومات، من دون تقييم التجربة وتسليط الضوء على ما قد تفرزه من إيجابيات. وهنا اسمحوا لي باسترجاع مشهد الشاب الكويتي.. أين أطفالنا من فن الخطابة والدور الذي يجب أن تنهض به مدارسنا في هذا المجال؟ عمليا لا نلمس هذا الجانب في مدارسنا الحكومية وإن كان خجولا وباللغة الأجنبية في بعض المدارس الخاصة رغم أن تنمية هذا الفن كفيل ببث الثقة لدى أطفالنا وخلق جيل قادر على إدارة أموره وتحديد احتياجاته والتفكير جيدا في سبيل الوصول لأهدافه وغاياته. وقد يكون مفيدا في هذا السياق مناشدة الرجل الفاضل وزير التربية والتعليم والذي لا يألو جهدا في سبيل رفع مستوى التعليم ومخرجاته، أن تعمل الوزارة على إطلاق مهرجان سنوي للخطابة تشارك فيه كل مدارس البحرين على أن يتم تكريم الطلبة الفائزين والقائمين على تدريبهم والمدارس التي يمثلوها على أن يكون ذلك بالتعاون مع وزارة الإعلام لإبراز هذه المواهب وتسليط الضوء عليها لتكون قدوة لغيرها.
نقول ذلك لأننا ندرك يقينا أن بناء الشخصية غاية نبيلة واللبنة الأولى لإعداد جيل قوي قادر على التعامل مع التحديات المستقبلية ومن واجبنا مساعدة أبنائنا على أن تكون شخصياتهم قوية وواثقة وإيجابية فالعلم لا يفيد مع الشخصية الضعيفة خاصة وأننا نتطلع نحو بناء جيل واقعي واثق من نفسه قادر على الإبداع والتفكير واتخاذ القرار ولديه طموحات يسعى إلى تحقيقها.. وإن غدا لناظره قريب.